الزاد الروحي للإعتكاف

ما أحوجنا ونحن نسكب الأحزان أسفا على وداع رمضان وخيره العميم أن نودع الحبيب بطول عناق و هيام بأن نؤثر العشر الأواخر منه بالانقطاع عن غبش الحياة اليومية وسفسافها ; والاتصال بالله , وتلقي فيضه ونوره , وترتيل القرآن والكون ساكن واستقبال إشعاعاته وإيحاءاته وإيقاعاته في الليل الساجي و نخلو فيه خلوة إيمانية نحتاجها كثيرا
. .اكتشف الشهيد سيد قطب –رحمه الله – هذ الاحتياج فقال :لا بد لأي روح يراد لها أن تؤثر في واقع الحياة البشرية فتحولها وجهة أخرى . . لا بد لهذه الروح من خلوة وعزلة بعض الوقت , وانقطاع عن شواغل الأرض , وضجة الحياة , وهموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة .
إن هذه الخلوة هى الزاد الروحي لاحتمال العبء الباهظ والجهد المرير الذي ينتظر من يدعو بهذه الدعوة الطاهرة في كل جيل !وينير القلب في الطريق الشاق الطويل , ويعصمه من وسوسة الشيطان , ومن التيه في الظلمات الحافة بهذا الطريق المنير .
- فما هى هذه الخلوة؟؟! إنها الاعتكــاف !!!!تلك السنة التى تعجب الزهرى رحمه الله ممن تركها فقال :عجباً للمسلمين ! كيف تركوا الاعتكاف ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل. إنه الاعتكاف الذي تسيل فيه دموع الخاشعين المتدبرين، وترفع فيه أكف الضارعين المتبتلين،الاعتكاف الذي يحقق مفهوم التربية الذاتية لمشابهة المحسنين يستغله المرء ليصل إلى مرتبة عالية، فيكون لسانه رطباً من ذكر الله تعالى، ويستعرض كتاب الله تلاوة وتأملاً وتفسيراً، ويصل إلى المراتب العليا في المحافظة على الصلاة تبكيراً وخشوعاً، ويألف مكابدة قيام الليل تلذذاً وخشية
فيا أخي بارك الله فيك تزود في اعتكافك توبة نصوحا من ذنوبك وخطاياك, طهّر نفسك من الشهوات المحرمة و الأهواء الفاسدة وتزود من الاعتكاف عزيمة صادقة على فعل الخيرات و المسابقة إلى الطاعات بعد طول كسل و كنود, ناجي ربك و تبتل إليه تقرب إليه سله أن يعينك على نفسك و الشيطان تعرض لنفحاته لا يفوتنك الاعتكاف إن كنت من المفلحين.

من فقه الاعتكاف:
الاعتكاف وأصله الاحتباس والعكف الحبس ومنه قوله تعالى والهدي معكوفا وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا وأنتم عاكفون في المساجد, والاعتكاف مندوب إليه بالشرع واجب بالنذر ،
وهو في رمضان أكثر ندبا ، وبخاصة في العشر الأواخر منه ، إذ كان ذلك هو آخر اعتكافه - صلى الله عليه وسلم –
و . يندب أن يكون الاعتكاف في المسجد الجامع عند المالكية والشافعية الذين لا يشترطون ذلك،
شروطه : الاسلام و العقل و التمييز و كونه في المسجد و النية مطلقا و الصوم شرط مطلقا عند المالكية

وهو بالجملة يشتمل على عمل مخصوص في موضع مخصوص وفي زمان مخصوص بشروط مخصوصة وتروك مخصوصة .
فأما العمل الذي يخصه ففيه قولان : قيل : إنه الصلاة وذكر الله وقراءة القرآن لا غير ذلك من أعمال البر والقرب ، وهو مذهب ابن القاسم . وقيل جميع أعمال القرب والبر المختصة بالآخرة بما في ذالك تعلم العلم وصلاة الجنازة، وهو مذهب ابن وهب
وعند الشافعي وأبي حنيفة لا حد لأقله واختلف عن مالك في ذلك فقيل :ثلاثة أيام ، وقيل يوم وليلة وقيل عشرة أيام. وعند البغداديين من أصحابه أن العشرة استحباب ، وأن أقله يوم وليلة .
مبطلاته : يبطل الاعتكاف بخروج الشخص من الجامع ولو لجمعة كما يبطل بالأكل والشرب عمدا نهاراً وبالسكر الحرام وإن ليلاً وبالجماع ليلاً أو نهاراً ناسياً أو عامداً وبمقدماته كالقبلة وإن بفم والمباشرة، واللمس ليلاً أو نهاراً بقصد اللذة أو وجودها وينقطع التتابع ويبتدئه من أوله بما ذكر من